الحمد لله العظيم شأنه والعزيز سلطانه الدائم بره وإحسانه،حفظ حق المرأة وأعلى قدرها، وأصلي وأسلم على سيدنا محمد –صلى الله عليه وسلم- أصلح لهذه الأمة أمرها، وأظهر للعالمين فخرها، ودلَّها على الله بمكارم الأخلاق، وما ترك خصلة من الخير إلا ذكرها، ولا خصلة من الشر إلا وحذَّر الأمة منها وزجرها، فاللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين عرفوا من الشريعة سرها وحفظوا للنساء حقوقها،وعلى مَن تبعهم إلى يوم الدين.
وبـــــعـــد:
المرأة في الإسلام لها مكانة عالية ومنزلة سامية، لم تبلغها امرأة في أي ملة سابقة أو في أي مجتمع أو حضارة من الحضارات.
فالمرأة هي الأم والزوجة والأخت والبنت والعمة والخالة والجدة....فهي نصف المجتمع والمسئولة عن تربية النصف الآخر في المجتمع، فهي المجتمع كله.
وقد جاء الإسلام وكل أمم الأرض تمتهن المرأة وتبخسها حقها وغاية ما تصل إليه من تقدير:الاعتراف بأصلها الإنساني, فكيف بتقرير كرامتها ومساواتها للرجل في الحقوق والواجبات (1)، فقد كان ينظر إليها على أنها سقط متاع، أو أنها من ضمن التركات فتورث، كما يورث المتاع،أو أنها شيء نجس لا قيمة له.
لذلك أردنا في هذا البحث أن نتكلم فيه عن مكانة المرأة في الإسلام، وإنصاف الإسلام لها، في حين تجاهلها وتاجر بقضيتها الآخرون، من العصور القديمة حتى وقتنا هذا،وكيف عني الإسلام بالمرأة من قبل أن تأتي إلى الدنيا حتى بعد الوفاة، وضمن لها حقوقها على الأسرة والمجتمع والدولة.
وإذا أردنا أن نعرف ماذا أعطى الإسلام للمرأة من حقوق علينا أن نعرف أولًا: مكانة المرأة عند غير المسلمين،وهذا موضوعنا في هذا المقال، والذي سنتكلم فيه عن:
نتناول في هذا الفصل بمشيئة الله في النقاط التالية:
أولا: المرأة في العصر الجاهلي.
ثانيا: المرأة في الحضارة الهندية.
ثالثا: المرأة في الحضارة الرومانية.
رابعا: المرأة في اليهودية.
خامسا: المرأة في المسيحية.
سادسا: المرأة في العصور الوسطى.
سابعا: المرأة في العصر الحديث.
أولًا: المرأة في العصر الجاهلي:
كانت المرأة في الجاهلية الأولى كانت تُعتبر من سقط المتاع، يتوارثه الناس كما يتوارثون الأرض والبناء والأثاث، بل كانوا يذهبون إلى اعتبارها عارًا يتخلصون منه بجريمة قتل بشعة إذ يدفنونها حية،كما قال تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ (59)}(النحل)، فقد كان المجد والمكرمات عند العرب قديمًا هي في موتها،كما قال الشاعر:
ومن غاية المجد والمكرمات *** بقاء البنين وموت البنات
ولكن الله حرم ذلك كما قال تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} [التكوير: 8]
يقول أبو الحسن الندوي:
"وكانت المرأة في المجتمع الجاهلي عرضة غبن وحيف، وتُؤكل حقوقها وتُبْتز أموالها وتُحرم إرثها وتعضل بعد الطلاق أو وفاة الزوج من أن تنكح زوجًا ترضاه،وتورث كما يورث المتاع أو الدابة، عن ابن عباس قال:"كان الرجل إذا مات أبوه أو حميّه فهو أحق بامرأته، إن شاء أمسكها أو يحبسها حتى تفتدي بصداقها أو تموت فيذهب بمالها.
وقال عطاء بن أبي رباح:
إن أهل الجاهلية كانوا إذا هلك الرجل فترك امرأة حبسها أهله على الصبي يكون فيهم.
وقال السُدّي:
إن الرجل في الجاهلية كان يموت أبوه أو أخوه أو ابنه فإذا مات وترك امرأته فإن سبق وارث الميت فألقى عليها ثوبه فهو أحق بها أن ينكحها بمهر صاحبه أو يُنكحها فيأخذ مهرها، وإن سبقته فذهبت إلى أهلها فهي أحق بنفسها.
وكانت المرأة في الجاهلية يطفف معها الكيل، فيتمتع الرجل بحقوقه ولا تتمتع هي بحقوقها، يؤخذ مما تؤتي من مهر وتمسك ضرارًا للاعتداء، وتلاقي من بعلها نشوزًا أو إعراضًا وتترك في بعض الأحيان كالمعلقة،ومن المأكولات ما هو خالص للذكور ومحرم على الإناث، وكان يسوغ للرجل أن يتزوج ما يشاء من النساء من غير تحديد.(2)
كما حكى سبحانه وتعالى عن ذلك فقال: {وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ}[الأنعام: 139]
ثانيا: المرأة في الحضارة الهندية:
وحتى الحضارة الهندية لم تعط للمرأة حقها، واعتبرتها من أبخس المخلوقات حتى فضلوا المكروه والحيوانات عليها. فيقولون: بأن الوباء والموت والجحيم وسم الأفاعي والنار خير من المرأة.
وحقها في الحياة ينتهي بانتهاء موت زوجها، فإذا رأت جثمانه يحرق ألقت بنفسها في نيرانه، وإلا حاقت عليها اللعنة ومقتها المجتمع الذي تعيش فيه، وأصبحت منبوذة مكروهة.
وهي حسب الشرائع المستمدة من أساطير (مانو) لا تعرف السلوك السوي ولا الشرف ولا الفضيلة،وإنما تحب الشهوات الدنسة والزينة والتمرد والغضب. (3)
ثالثا: المرأة في الحضارة الرومانية:
ولم تختلف الحضارة الرومانية بعيدًا عن الحضارة الهندية، فقد أقرت الحضارة الرومانية أن تكون المرأة رقيقًا تابعًا للرجل، ولا حقوق لها على الإطلاق، وكانت المرأة في أثينا تُعد من سقط المتاع، فكانت تُباع وتشترى، وكانت تعد رجسًا من عمل الشيطان.
وقد اجتمع في روما جمع كبير من كبار رجال الدولة وبحث في شؤون المرأة، فقرروا الآتي:
1- أنها كائن لا نفس له.
2- وأنها لن ترث الحياة الأخروية
3- وأنها رجس.(4)
رابعا: المرأة في اليهودية:
حتى الأديان السماوية والتي حُرفت وبُدلت وغُيرت، احتقروا المرأة ولم يعطوها من حقوها شيئًا. فهي عندهم:المرأة إذا حاضت تكون نجسة، تنجس البيت، وكل ما تَمسُّه من طعام أو إنسان أو حيوان، ولا يأكل معها على مائدة واحدة، وبعضهم يطردها من بيته؛ لأنها نجسة، فإذا تطهَّرت عادت لبيتها، وكان بعضهم ينصب لها خيمة عند بابه، ويضع أمامها خبزًا وماء كالدابة، ويجعلها فيها حتى تطهر.
جاء الحُكم عليها في العهد القديم ما يلي: " درت أنا وقلبي لأعلم ولأبحث ولأطلب حكمة وعقلًا، ولأعرف الشر أنه جهالة، والحماقة أنها جنون، فوجدت أمرَّ من الموت: المرأة التي هي شباك، وقلبها شراك، ويداها قيود ".(5)
خامسًا: المرأة في المسيحية:
وكذلك الأمر عند المسيحية المحرفة، فالمرأة عنهم ينبوع المعاصي، وأصل السيئات، وهي للرجل باب من أبواب جهنم.
والزواج عندهم عبارة عن صفقة مبايعة تنتقل فيه المرأة لتكون إحدى ممتلكات الزوج.
هي باب الشيطان وسلاح الإغراء والفتنة، يقول تونوليان: (وهو من كبار القساوسة): إنها (أى المرأة) مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان، وإنها دافعة إلى الشجرة الممنوعة، ناقضة لقانون الله.
ووصل بهم الافتراء على حق المرأة: أن انعقدت بعض مجامعهم لتنظر في حقيقة المرأة وروحها هل هي من البشر أو لا؟ (6)
سادسًا: المرأة في العصور الوسطى:
أما حال المرأة في العصور الوسطى فلم تتغير ولم يكن لها دور يُذكر إلا الإهانة والذلة،
شرح الكاتب الدانمركي (wieth kordsten)اتجاه الكنيسة الكاثوليكية نحو المرأة بقوله: " خلال العصور الوسطى كانت العناية بالمرأة الأوربية محدودة جدًا تبعًا لاتجاه المذهب الكاثوليكي الذي كان يعد المرأة مخلوقًا في المرتبة الثانية "، وفي فرنسا عُقِد اجتماع عام 586 م يبحث شأن المرأة وما إذا كانت تعد إنسانًا أو لا تعد إنسانًا ؟ وبعد النقاش قرر المجتمعون: أن المرأة إنسان، ولكنها مخلوقة لخدمة الرجل.
وقد نصت المادة السابعة عشرة بعد المائتين من القانون الفرنسي على ما يلي: " المرأة المتزوجة - حتى لو كان زواجها قائمًا على أساس الفصل بين ملكيتها وملكية زوجها - لا يجوز لها أن تهب، ولا أن تنقل ملكيتها، ولا أن ترهن، ولا أن تملك بعوض أو بغير عوض بدون اشتراك زوجها في العقد أو موافقته عليه موافقة كتابية ".(7)
وفي إنجلترا حرم الملك (هنري الثامن) على المرأة الإنجليزية قراءة الكتاب المقدس، وظلت النساء حتى عام 1850م غير معدودات من المواطنين، وظللن حتى عام 1882م ليس لهن حقوق. شخصية.
سابعًا: المرأة في العصر الحديث:
أما المرأة في العصر الحديث في أوربا وأمريكا وغيرها من البلاد الصناعية، فهي مخلوق مبتذل مستهلك في الأغراض التجارية، إذ هي جزء من الحملات الإعلانية الدعائية، بل وصل بها الحال إلى أن تجرد من ملابسها لتعرض عليها السلع في واجهات الحملات التجارية، وأبيح جسدها وعرضها بموجب أنظمة قررها الرجال لتكون مجرد متعة لهم في كل مكان.
والمرأة عندهم محل العناية مادامت قادرة على العطاء والبذل من يدها أو فكرها أو جسدها، فإذا كبرت وفقدت مقومات العطاء تخلى عنها المجتمع بأفراده ومؤسساته، وعاشت وحيدة في بيتها أو في المصحات النفسية.
وما زالت المرأة فى الغرب في العصر الحديث تلجأ إلى ملاجئ أهلية أسستها النساء في الغرب هروبًا من العنف الزوجي والضرب إلى حدِّ العاهة والتشويه، وما زالت تعاني من تحرش الرجال بها في مقر العمل وامتهان كرامتها، وما زالت تعاني من أجل لقمة العيش وتمتهن مهنًا لا تليق بـشقائق الرجال.(8)
بل للأسف هذا ما أرادوا أن يجعلوه قانونًا يسرى ويطبق في جميع أنحاء العالم، بواسطة ما يسمى بالأمم المتحدة والتي تدعوا لتحرير المرأة من كل شيء.
فمؤتمر الأمم المتحدة للمرأة (بكين +10) الذي عقد في الفترة من 28 فبراير 2005 حتى 11 مارس، سمح للشواذ والمنحلات أخلاقيًا بعرض مشكلاتهم والمطالبة وإجبار الدولة لرعاية الفتيات اللاتي يحملن سفاحًا، وعدم مضايقة الشواذ جنسيًا من الرجال أو النساء!!وعقاب الدول التي لا تلتزم بهذا.
وكانت من أهم وأخطر نتائج هذا المؤتمر:
1- التثقيف الجنسي للأطفال والمراهقين من خلال التعليم والإعلام، وذلك لتعليم الأطفال ما يُسمى بالجنس الآمن أي كيفية ممارسة الجنس، مع توقي حدوث الحمل، أو انتقال مرض الإيدز.
2- توفير وسائل منع الحمل للأطفال والمراهقين في المدارس.
3- إباحة الإجهاض بحيث يكون قانونيًا وبالتالي يتم إجراؤه في المستشفيات والعيادات.
4- المطالبة بإلغاء كافة الفوارق بين الرجل والمرأة، حتى البيولوجية منها، والوصول إلى التطابق والتماثل التام بينهما، بدعوى الارتقاء بالمرأة وضمان حصولها على حقوقها كاملة.(9)
هذه هي مكانة المرأة عند غير المسلمين، كيف لا يقدرونها ولا يحترمونها، وقارن هذا وبما جاء في القرآن الكريم من قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71]، وقوله جل ثناؤه: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228]، وقوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ} [(آل عمران: 195]،، وقوله عز من قائل: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} (النساء: 124]، وقوله جل ثناؤه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].
وبما جاء فى سنة النبي –صلى الله عليه وسلم-، فعن عائشة-رضي الله عنها- قالت:قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-:" إنما النساء شقائق الرجال".(10)
وهذا ما سنتناوله في اللقاء القادم إن شاء الله تعالى.
وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الكاتب: فضيلة الشيخ: عبد العزيز رجب
المصدر: موقع منارات ويب